الجمعة، 14 يونيو 2019

التربية الجمالية في شخصية "عبدالله ابراهيم اللويم"




إن الإحساس بقيمة الجمال قديمٌ سَبَقَ البشرية، شعرت به الملائكة من قبلنا، و يُروى أنّه بينما كانوا منشغلين في أعمالهم الموكولة من ربهم، إذ بسحابةٍ سوداء تخيم عليهم، وقد أرعبتهم، فتوسلوا إلى الله أن يفرج عنهم، فما كان من ربنا إلا وأتاهم بنورٍ قادماً يشقُ الطريق و أضاء لهم ظلمتهم( إنه نور أجمل مخلوقاته)، حينها استبشروا وفرحوا وانبهروا من ذلك النور، وفي هذا إشارة لتذوقهم وإحساسهم بجماله. فمخطئٌ من يحد الجمال وتذوقه والإحساس به بنشأة الطبيعة أو الإنسان على هذه المعمورة، بل سبقهم كثيراً. 
     كما أن الجمال سواء كقيمة أو كعلم (له مقاييسه ونظرياته) لا تنحصر موضوعاته على الجمال المادي المحسوس الذي نراه في الطبيعة، أو الحيوانات(والإنسان منها)، أو النباتات (والزهور من أجملها)، أو اللوحات الفنية أو غير ذلك من مادة المحسوسات ، بل تمتد موضوعات الجمال لتشمل المجردات والمعنويات، فالخلق الطيب، و العاطفة الجياشة، واللسان العذب، والنظرة الحنونة، كلها وغيرها من أنواع الجمال الذي ترتضيه الأذواق، وترتاح له النفوس. وحتى لا يخلو الحديث من مراعاة كلام ذوي الاهتمام، أذكر قول جون ديوي (والذي تزخر مكتباتنا بكتاباته الثرية):
"الجمال لفظ عاطفي، وإن كان يشير إلى عاطفة من نوع خاص".
ودليله على ذلك أن الإنسانَ ما إن يرى لوحةً جميلةً أو منظراً جميلاً، إلا ويعبر عن ذلك بملفوظات: ما أجمله، ما أحلاه. 
أما افلاطون (العصر اليوناني) فيقول عن الجمال: "أمر موهوم، موجود بالعرض". ويرى أن هناك عالم مثالي أسمى من عالمنا المحسوس، ويختلف عنه في ذلك أرسطو الذي يرى أن الجمال خليط من التناسب والتماثل والتوافق في الأشياء... ولا ندرك هذا الجمال إلا حين نحسن ذلك التوافق.

التربية و الجمال:
    التربية الجمالية تعبير يقصد به الجانب التربوي الذي يرقق وجدان الفرد وشعوره، ويجعله مرهف الحس ومدركاً للذوق والجمال، فيبعث في نفسه السرور والارتياح، ومنه يرتقي وجدانه، فتتهذب انفعالاته.   
   إن تنمية الحس الجمالي لدى الجيل من أهم متطلبات التربية القويمة، لأن الجمال وثيق الصلة بجوانب الشخصية، فالجانب الأخلاقي والاجتماعي والنفسي والعقلي والعقدي، جلّها ينمو ويسمو بالتربية الجمالية.
    لذا، حينما يعيش الابن في بيئة تُحب الجمال (بِشِقيه الحسي والمجرد) وتتذوقه وتنميه، تباعاً في المقابل سيلفظ ويستهجن القبحَ و مصاديقه. (حينما تربي ابنك على الصدق والتواضع لن تتعب في منعه من الكذب والتكبر).

إن التعرف على ماهو جميل، يتطلب من الفرد أن يتمتع بالقدرة على التحليل والتركيب والمزج والتداخل، وقياس التوافق والانسجام، وبالتالي التعرف على ماهو أفضل وأمتع للنظر وللذوق، وهذه القدرات تتنوع مابين بسيط (كما عند الطفل) وقوي (كما عند المتذوق الناضج).

أبو الفواطم و التربية الجمالية:

    رحم الله والده الحاج (ابراهيم محمد عيسى اللويم) و حفظ والدته النبيلة (أم محمد) اللذان غرسا في ابنيهما الغائب الحاضر (عبدالله أبو الفواطم) محفزات الجمال ومرتكزاته، و صفاته و سماته، حتى باتت المصاديق جليّة في سلوكه و تصرفاته، و في روحه و ميوله و اتجاهاته. 



وبفقد المنطقة لتلك الظاهرة الجمالية : حلّت الحسرة و الخسارة و التِيه لمجتمعٍ خلا من ذاك الشعاع الوضّاء و البلسم الأخاذ، فقد كان بشعاعه سبيلا يهتدي به العاملون الباذلون في طريق الخير، و بلسماً لألم المجتمع و جراحاته ،،،

ما أن تتأمل في حياته "رحمات ربي عليه" إلا و تكتض و تزدحم لوحة مسيرته بالمظاهر الزاهية، و الخصال النابعة من وحي التربية الجمالية التي حضي بها  أثناء نشأته في منزل الكرامة، و هنا أستعرض بعضا مما رأيت فيه "على الأقل" خلال العشر سنوات الماضية ، حيث شهدته و عرفته و قرأته:

شهادة على التربية الجمالية في شخصه وسلوكه:

شَهدْتُهُ غيورا حتى الألم:
يحب مجتمعه حبا جمّاً، و يتحمل من أجله المتاعب تحملاً لمّاً، والشواهد و الشهود كُثُر لا تحصى، لا يقبل و لايهضم مظاهر التخريب و العبث بمقدرات المجتمع و مؤسساته، بل يقاوم بمختلف الوسائل كل مايؤدي إلى ذلك، و الأكثر من هذا أنه يعيش الألم و الوجع حينما يرى بعض المظاهر غير اللائقة في مختلف الشؤون المجتمعية سواء على مستوى المؤسسات ، أو في زوايا المجتمع الحياتية الأخرى حتى يظهر عليه الهمّ و الحزن.
عَرَفتهُ معطاءً سخيا:
يده بيضاء، و عطاياه خفية، وحين ينفق يُنفق حتى الشَبع!
 ولدي في بعض مساهماته معرفةٌ بتفصيل، فعلى سبيل المقال حينما رسمنا ونفذنا مشروع مجلس تطوير العمل التطوعي و قد اعتاز المشروع للمال، بدون تردد أو تلكؤ استوعبت يدُه البيضاء جميع الاحتياجات المادية و قد كانت بالآلاف حتى أمسى العمل غير محتاج لدعم أحد. 
كما لمست الكثير من  مساهماته و في عدة سنين بدعم مؤسسات المجتمع المتنوعة و منها مهرجان الزواج الجماعي مسخراً وكالته الإعلامية ( تمازج)في خدمة الجميع، و ما أعلمه من خلال حديثه الخاص أو من خلال إدارة المهرجان أن عطاءه بعشرات الآلاف، فقد كان يعطي ويبذل بجود و سخاء و "بدون حساب" ، و حينما أعاتبه أو أناقشه( ومثلي كثيرون) يرد قائلا: هذا شيء يخصني أنا فحسب.


حَضَرْتُهُ متواضعا حيوياً:
فلا يدير لعمره المبارك أو مكانته الريادية أو ثقله المجتمعي أي أهمية أمام مشاهد الانسجام مع الصغار و المراهقين و الشباب في العمل الاجتماعي، بل و يمازح من حوله و يشاغبهم ليكسر خطوط الحياء و الخجل حتى أن من يراه يظن أنه على اختلاطٍ بهم منذ أمد.

رَأيتهُ شمعة تحترق من أجل النجاح:
يحرق ويذيب نفسه و جسده من أجل نجاح المبادرات و المساهمات النهضوية، ولاينتظر أي مردود اجتماعي، فالمهم و الأهم و المبتغى هو النجاح بالنسبة له، و ما إن يدخل معترك التنفيذ إلا ويسخرّ كل طاقاته للفوز بتحقيق الهدف المرسوم.
قَرأتهُ دقيقا متقنا :
نعم وكان يردد في مواطن العمل ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)، والأغلب ممن شاركه أعماله الخاصة أو المجتمعية يعلم أنه يعمل بدقة و إتقان و يرفض الأعمال العشوائية الضعيفة.
فَهمتهُ زارعا ً لا قاطفا:
يظهر عليه العناء و الإرهاق في تنفيذ الأعمال الاجتماعية ، وبذات الوقت لا يحبذ البروز أمام الناس، وكما قال صديقه وأحد الشاهدين على مسيرته: د.صالح اللويمي في إحدى تغريداته :
"كان رساليا في وقت انشغل الناس بالدنيا و كانت له معاييره الصارمة في العمل التطوعي التي جعلت أعماله ارقى ما يمكن انجازه - يواصل ليله بنهاره في ساحات العمل و وقت الحصاد يبتعد بهدوء تاركا الثمار يقتطفها غيره"

رحم الله صاحب السجابا الجمالية الرفيعة، وجعله من السعداء. 

حررته في 10/10/1440






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق